صدرت حديثا عن دار الريس، رواية “يوم الحساب” للروائي السوري فواز حداد، وهي الرواية السادسة عشر من إنتاجه الأدبي.
يعتبر حداد من أبرز الروائيين السوريين القلائل الذين واكبوا الثورة السورية، واستقصوا في تفاصيلها وأسبابها ونتائجها، معبرا عن تضامنه المطلق معها، طارحا كل المواضيع المحرمة على طاولة الأحداث، في مسعى لرد الحق للدم السوري المراق من سلطة فاسدة ومجرمة.
وفي روايته السابقة “السوريون الأعداء” ينقل حداد بكل قسوة أو مواربة أو تقية واقع السوريين، في حرص منه لحفظ حقوقهم وتوثيق تلك الآلام والمآسي التي مروا بها، وبمواكبة الثورة السورية يقف حداد إلى جانب الضحية ليشير بوضوح عميق إلى بنية النظام وماهية تكوينه وتفكيره، وليصور برواياته التغيرات التي طرأت على المجتمع السوري بكل جوانبه وعلى كل شرائحه بجرأة لافتة اقتحم فيها الكثير من المحرمات التي قلما تناولها الكتاب السوريين.
ويرى كاتب السوريون الأعداء أن الجريمة واضحة في الزمان والمكان ولذا فإن التمويه أو التورية هي خطأ كبير، وإن كان البحث في أصول الجريمة سابقا مطلوبا فإن تجاهله الأن بات هروباً من مواجهة واقع يجري التلاعب به، ويجب فضحه بواسطة الرواية وغيرها.
يقول حداد في حوار سابق لزيتون: أتطلع إلى أن أشهد عودة المهجرين واللاجئين إلى بيوتهم، وأن يعم شعبي الأمان والسلام، أعرف أنه لن يتحقق من دون الأمل بأن تأخذ العدالة مجراها. بالنسبة إليّ، البقاء على قيد الكتابة.
ويضيف حداد: حتى الآن حققت الكارثة السورية تراجعات مؤلمة من دون تقدم نحو أفق مفتوح على متغيرات حقيقية، نحن في وضع المراوحة، فالكبار في مرحلة المساومة.
ويرى صاحب رواية “المترجم الخائن” التي وصلت للقائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر العربية) لعام 2009 أن.”أقسى ما وصلنا إليه، أننا شعب يعيش مأساة أكبر منه، فعلياً لا أحد ساعدنا، والآن حتى لو أراد أحد مساعدتنا، فلن يستطيع. وحدنا نحن السوريين بوسعنا إنقاذ بلدنا، لكنه الأصعب، شعبنا ممزق بالضغائن والأحقاد”
* فواز حداد: ولد في دمشق، حاز على إجازة في الحقوق من الجامعة السورية، تنقل بين عدة أعمال تجارية، كتب في القصة القصيرة والمسرح والرواية، أصدر أول رواياته عام 1991، لديه عشر روايات ومجموعة قصص قصيرة، وتفرغ للكتابة بشكل كامل عام 1998.
شارك كمحكم في مسابقة حنا مينة للرواية، ومسابقة المزرعة للرواية في السويداء. كذلك في الإعداد لموسوعة “رواية اسمها سورية”.
من أعماله الروائية:
موزاييك ـ دمشق، تياترو، صورة الروائي، الولد الجاهل، الضغينة والهوى، مرسال الغرام، مشهد عابر، المترجم الخائن، عزف منفرد على البيانو، جنود الله، الشاعر، السوريين الأعداء، وجامع الهوامش، بالإضافة إلى مجموعة قصص قصيرة تحت عنوان “الرسالة الأخيرة”.
فاز بجائزة البوكر العالمية للرواية العربية القائمة القصيرة لعام 2009.
وجاء في رواية يوم الحساب:
“ماذا عن العدالة؟ ألا يصح أن تكون على الأرض؟”.
تمنى ألا يدعه الله وحيدًا أمام هذه المرأة المكلومة، ولا يتخلى عنه في هذا الامتحان. كاد أن يقول لها، لو كانت عدالة الأرض، مثل عدالة السماء، لأصبح العالم أفضل، لكن البشر لا يسعون إليها بقدر ما يخذلونها.
“هذه مشيئة الرب”.
“أليس للبشر مشيئة؟”.
“يا ابنتي، لم تكن مشيئته وحدها إلا من تقصير البشر، كان بوسعهم ألا يكون بعضهم أعداء بعض…”.
لم يكمل، قلبه يتفتت حزنًا من أجلها. ما الذي يقوله لها؟ هذا الكلام أشبه بالعظة، لا يقال لأم، ولو تذرع بالرب.
صمَتَ، لا بد أن السؤال وصل إلى مسامع الله، ولم يعد مسؤوليته، فلم يتفوه بكلمة. باتت مسؤولية القدير، لم يبحث عن جواب، الجواب لديه، ليس إلا وكيله.
أحسّ بأنه يريد أن يقول شيئًا، رغماً عنه، ليس مخيرًا فيه، ولن يتلعثم، يدرك مهما كان ما سيقوله، فقد كان صوت الله:
“لا تظني أن يوم الحساب في السماء فقط”.
لم يكن يتكلم عبثًا، ولم تكن تسمع عبثًا، سمعها تتنهد بارتياح، بينما عيناها معلقتان على وجهه، فلم يتأخر عن إبلاغها ما أصبح مكلفاً به:
“هناك يوم حساب على الأرض، ثقي يا أم جورج، فوق هذه الأرض”.